أمريكا- من أرض الأحلام إلى الإقامة الذهبية - تحولات الهيمنة والنفوذ

المؤلف: محمد الساعد09.27.2025
أمريكا- من أرض الأحلام إلى الإقامة الذهبية - تحولات الهيمنة والنفوذ

في مشهد لافت، استعرض الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، نموذجًا للإقامة الذهبية الأمريكية، تلك التي تتطلب استثمارًا ضخمًا قدره خمسة ملايين دولار، معتبرًا إياها فرصة استثنائية وجاذبة للاستثمار في الولايات المتحدة.

يثير هذا التحول تساؤلات جوهرية، فهل يعقل أن تتحول أمريكا، تلك الأرض التي لطالما استقبلت الأحلام والطموحات والباحثين عن مستقبل أفضل، إلى وجهة حصرية للأثرياء؟ لطالما استندت أمريكا إلى فكرة استقبال المهاجرين من مختلف الخلفيات، حيث سعى الملايين من الأوروبيين في القرون الماضية إلى الانفصال عن واقع الفقر في بلدانهم الأصلية والتوجه نحو الفرص الواعدة في العالم الجديد. كانت السفن القادمة من إنجلترا وهولندا وألمانيا وفرنسا أشبه بقطارات بشرية مُحمّلة بالخبرات والمهارات، حيث وصل المهنيون والحرفيون والمزارعون المهرة ليؤسسوا مجتمعًا جديدًا وحضارة مزدهرة.

ولكن اليوم، يبدو أن أمريكا قد تغيرت، فبدلاً من أن تكون ملاذًا للفقراء الذين أثقلوا كاهلها، أصبحت تركز على جذب الاستثمارات الضخمة، كما أن المهاجرين لم يعودوا قادرين على قطع صلتهم بجذورهم وخلافاتهم مما أدى إلى انتقال صراعات العالم القديم إلى الأرض الجديدة وأثقل كاهلها.

من يتذكر سباق التسلح إبان الحرب الباردة وقصة حرب النجوم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، يجد صعوبة في تصور كيف تحولت القوى العظمى من فرض نفوذها بالقوة العسكرية إلى استخدام الاقتصاد والمال كسلاح للهيمنة.

فالحروب في العصر الحديث لم تعد حروبًا نووية، بل سباقًا محمومًا نحو تحقيق الازدهار الاقتصادي وتوفير الوظائف والفرص للمواطنين.

لقد شهدنا تحولًا في العلاقات الدولية من التحالفات القائمة على المخاطر، كما كان الحال في أوروبا والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم تأسيس حلف الناتو لمواجهة التهديدات المحتملة، إلى سباق نحو الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من الاقتصاد العالمي.

في هذا العصر، لم تعد الأولوية للجيوش الجرارة، بل للسعي وراء تعزيز الاقتصادات الوطنية وتوسيع التجارة العالمية.

الولايات المتحدة الأمريكية تواجه خطر خسارة أوروبا، حليفها التاريخي وعمقها المسيحي والثقافي، لأنها لم تعد مقتنعة بأهمية التحالفات العسكرية التقليدية ومستعدة للتخلي عن الإنفاق المفرط على هذه التحالفات، بل تطالب الدول الأوروبية الغنية بدفع ثمن حمايتها، وتسعى إلى تحويل الدول الفقيرة إلى اقتصادات منتجة. وترى أمريكا أن شعبها هو الأحق بالاستفادة من الأموال التي كانت تُنفق على الشركاء والأصدقاء، وتؤكد على ضرورة التعامل مع الجميع، بدءًا من كندا وصولًا إلى الصين وروسيا، على أساس المصالح المتبادلة.

إن معايير البقاء كقوة عظمى في العصر الحديث لم تعد تعتمد على الترسانات النووية، التي أصبحت عبئًا مكلفًا وصعب الاستخدام، فخلال الحرب الأوكرانية الروسية، هددت موسكو باستخدام الأسلحة النووية عدة مرات، لكنها لم تتجاوز التهديدات، لأن عواقب استخدام هذه الأسلحة تفوق أي فوائد محتملة.

لقد أدركت أمريكا، المنخرطة اليوم في حرب اقتصادية عالمية، أن الهيمنة في القرن الحادي والعشرين لن تتحقق بالصواريخ النووية، بل باستعادة الصناعات الأمريكية التي انتقلت إلى الصين والمكسيك وفيتنام، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير الوظائف والخدمات والبنية التحتية المتطورة للمواطنين، ليس بسبب كراهية أمريكا للآخرين، بل لأنها تؤمن بأحقيتها في الازدهار والتقدم.

صحيح أن واشنطن تدرك أن القيادة تتطلب التضحية، ولكن المشكلة تكمن في الشركاء الذين اعتقدوا أن استنزاف موارد أمريكا هو حق مكتسب، وأن على أمريكا وحدها تحمل الأعباء المالية لأنها الدولة الأكبر والأقوى.

لكن هذا الواقع قد تغير، فقد تبدلت معايير الصداقة والشراكة والتحالفات، وأصبح التركيز على تحقيق المصالح المشتركة وتعظيم المكاسب الاقتصادية للجميع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة